مطلع الاسلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لبناء عالم مثالي
 
الرئيسيةwww.masrah.on.mأحدث الصورالتسجيلدخول
فرقة الضحى
للأناشيد و الامداح النبوية
0618193990
في جميع الافراح و المناسبات


 

 حـَول مفهُوم الأشكال «ما قبل المسرحية»

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
granada
عضو نشيط
عضو نشيط



انثى
عدد الرسائل : 54
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 04/11/2008

حـَول مفهُوم الأشكال «ما قبل المسرحية» Empty
مُساهمةموضوع: حـَول مفهُوم الأشكال «ما قبل المسرحية»   حـَول مفهُوم الأشكال «ما قبل المسرحية» I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 26, 2008 3:05 am

ستقتصر هذه الدراسة على التطرق لمسألة واحدة يمكن أن تشكل نقطة تقاطع بين كتابي الباحثين المغربيين حسن المنيعي وحسن بحراوي. ويتعلق الأمر بقضية هوية المسرح المغربي التي تؤول في نهاية المطاف إلى مسألة أكبـر هي الهوية المغربية ذاتها كما يقدمها المسرح المغربي على صعيدي الممارسة والخطاب النقدي الذي يُنتج حول هذه الممارسة. وسنتطرق لقضية الهوية هذه من خلال مناقشة مصطلح «ما قبل المسرح المغربي»، لنخلص، من ذلك، إلى أن الكتابين معا يؤسسان لما يمكن تسميته بـ «إثنولوجيا (أو أنثروبولوجيا) المسرح المغربي»[2].

والمصطلح المذكور لا يختص باستعماله الدكتورُ حسن المنيعي والأستاذ حسن البحراوي، بل هو شائع بين عدد لا يستهان به من الباحثين العرب المغاربة (المغاربيين) والمشارقة على السَّواء، يرد استعماله عموما في سياق الجواب عن سؤال: هل وُجد نشاط مسرحي محلي قبل الاتصال بالغرب؟، وإن كان استعماله يتأرجح بين عدة تعابير، فيقال: «الأشكال ما قبل المسرحية» [3] أو «التقليد المسرحي»[4]، أو «الأشكال المسرحية الأولى»[5]، أو «الظواهر المسرحية»[6]. أكثر من ذلك، لا يقتصر مفهوم «الماقبل» على حقل المسرح وحده، بل يمتد استعماله إلى بعض الأجناس الأدبية كالرواية، مثلا، حيث يشيع استخدام مصطلح «الأشكال ما قبل الروائية»[7].

1. المسـرح المغـربي ومسـألـة الهـويـة

وبالفعل، إذا كان موضوع هذين السفرين يبدو في الظاهر محدودا، يتمثل في رسم رحلة هذا المسرح منذ بداياته الغامضة، بهذا القدر أو ذاك، إلى أن اكتسب شخصيته المستقلة التي يمكن وضعها على قدم المساواة مع باقي المسارح العالمية، فإن الموضوع نفسه يلامسُ، من موقعه الخاص، سؤالا جوهريا يتعلق بمسألة الهوية في المغرب الراهـن متمثلة هنا في المسرح، لكنه يلامس أيضا بشكل ضمني هوية ممارسيه. ويمكن صياغة هذا السؤال على النحو التالي: هل المسرح الممارس بشكله الحالي في المغرب فن داخلي المنشأ (endogène) أم هو فن خارجي المنشأ (exogène)، مستورد من الغـرب؟

أي شيء يدعو إلى طرح مثل هذا السؤال؟ أهو انعدام ثقة في النفس أم هو محاولة نيل اعتراف من آخر يفترض أنه لا يعترف بهوية المتنازع بشأنه؟ من هو هذا الآخر؟ أهـو الغرب الذي تفترض له أستاذية وسبق في المسرح أم هو الذات بشطريها معا: شق التقليد الديني الأرثذوكسي الذي مضى إلى حد مصادرة فن المسرح، فحرم التمثيل واعتبر «الممثلين قردة وخنازير» [8]، ثم شق الدولة الحديثة التي طالما اشتكى رجال المسرح من عدم اكتراثها لأحوالهم المادية مما يتضمن استياء من عدم اعتراف بهذا القطاع؟

لا تروم الدراسة الحالية الحسمَ في هذه المسألة العسيرة عُسرَ سائر القضايا المتعلقة بالأصول[9] بقدر ما تطمح إلى تناول كيفية اشتغال مقولة «ما قبل المسرح» في الكتابين المذكورين.

فهما معا يلتقيان في التأكيد على وجود ظواهر ثقافية لهـا صلـة مَّا بالمسـرح،

لكن دون المضي في أغلب الأحيان إلى تسميتها بممارسات مسرحية اعتبارا إلى أن المسرح الحقيقي عندهما هو المسرح في شكلـه الإيطالي، وإذن في قالبـه الغربي:

«لا نعرف أي تقليد مسرحي في الثقافة المغربية القديمة باستثناء الظواهر الماقبل - مسرحية التي يمكن اعتبارها البداية الممكنة للمسرح المغربي، والتي انعكست في الطقوس الاحتفالية كـ «البساط» وسلطان الطلبة» وسيدي الكتفي» وغيرها من الطقوس القديمة التي تنتظم في باطن الخيال الشعبي. لهذا السبب يظل المسرح عندنا - وكما هو الشأن في البلدان العربية الأخرى - فنا مستوردا فرض على رواده جملة من السلوكات أهمها احتضانه في شكله الإيطالي ثم تثقيف أساليبه عبر اقتباس النصوص واستيعاب التقنيات السائدة»[10].

وهذا المسرح الإيطالي كان وليد مثاقفـة (طوعية) أخذت شكل احتكاك مع فرق مسرحية شرقية، لكن أيضا وليد مثاقفة (قسرية)[11] تمثلت في إشراف أطر فرنسية على تكوين ممثلين مغاربة (أندري فوازان، ولوكا)[12]. ومن المعروف أن «مشاكل المثاقفة هي أساسا مشاكل للهوية والاختلاف»[13]، وأن قضايا الأصول كثيرا ما تطرح بحدة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن شرعية أو نيل اعتراف[14]

ومسألة الهوية والاختلاف هذه مطروحـة في المسرح المغربي على مستويين: مستوى البحث الأكاديمي ومستوى الممارسة المسرحية ذاتهـا:

- على الصعيد الأول: يفترض في سائـر الدراسات من هذا النوع أن تفرز جوابين متعارضين: أحدهما يجيب بالنفي، فيقول إن المسرح فن دخيل، مستورد من الغرب، وآخر يقول: إنه، على العكس، فن أصيل سبق أن عرفه المجتمع المغربي أو العربي قبل أن تضعه مثاقفة قسرية على اتصال بثقافة الغرب وفنونه. وضمن هذا المستوى الأكاديمي يندرج كتابا حسن المنيعي وحسن بحراوي. علما بأن معظم ما يتضمنه الكتاب الأول سبق أن تناوله صاحبه في سياق أول مؤلفاته الذي يحمل عنوان أبحاث في المسرح المغربي[15]، ثم عاد إليه على عجالة في الكتاب الحالي كما في الدراسة التي خص بها أنطولوجيا المسرح العربي[16] التي أعدتها سلمى الخضراء الجيوسي، الأمر الذي يعني أن مسألة الأصول هذه تشكل أحد ثوابت الدرس المسرحي في المغرب.

- أما المستوى الثاني، مستوى الممارسة المسرحية، فيفترض فيه أيضا أن يقدم جوابين متعارضين: الأول عبارة عن عروض مسرحية تغريبية مأخوذة قوالبها، وربما مضامينها أيضا، من المسرح الغربي. والثاني عبارة عن عروض تتأصل في الواقع المغربي وتوظف مجموعة من الظواهر والممارسات الثقافية المحليـة. وهذا ما يخبرنا به حسن المنيعي جيدا في كتابه الذي نحن بصدده. فمن المسرحيات التي يصنفها ضمن الخانة الأولى يمكن الإشارة إلى تجربة «المسرح العمالي» و«مسرح اللامعقول» عند الطيب الصديقي، و«المسرح العجائبي» عند نبيل الحلو[17]. ومن العروض التي يمكن تصنيفها ضمن الخانة الثانية يمكن الإشارة إلى مسرحيات: «السعد» و«حليب الضياف» للطيب العلج، و«ديوان سيدي عبد الرحمان المجذوب» و«مقامات بديع الزمان الهمذاني» للطيب الصديقي[18].

فيما وراء التأكيد المشار إليه أعلاه، الذي يقـول بأن المسـرح في المغـرب فـن

مستورد من الغرب، يمكن التساؤل: ما الجواب الذي يقدمه الكتابان عن هذا السؤال؟ حالما نروم الوقوف على هذا الجانب يطالعنا المؤلفان معا بمقولة «الأشكال ما قبل - المسرحية».

2. مفهـوم «ماقبل المسـرح» المغـربـي

ما أصل هذا المفهوم؟ ما دلالته في الكتابين؟

يمدنا حسن المنيعي بثلاثة مصادر، هي على التوالي:

- «معجم المسرح» لباتريس بافيس: يقصد بما قبل المسرح مجموعة من الطقوس الاحتفالية كالرقص، والغناء، والمرح، والتعبد، والعربدة، والصرع. وهي تنطوي على «عناصر ما قبل مسرحية من خلال ما توظفه من ملابس وشخصيات إنسانية وحيوانات وأدوات، وكذا من خلال ما تقوم عليه من ترميز لفضاء مقدس أو زمن كوني أسطوري»[19].

- كتاب «المسرح والفودو» (Théâtre et Vaudou) للناقد المسرحي الفرنسي فرانك فوشيه: الطقوس الاحتفالية التي اتخذت شكل فرجة في الحضارات القديمة كالحضارة المصرية، مثلا، وبالتالي تندرج ضمن ما يمكن تسميته بما قبل المسرح، وهو «المسرح الذي يتجلى كفرجة شاملة يشارك فيها الفرد عن طواعية بجسمه وروحه دون أن ينسى أنه يشاهد واقعا ممثلا ينعكس عبر الصور والرموز»[20].

- كتاب «المسرح وضعفه» (Le théâtre et son double) للكاتب والمسرحي الفرنسي الشهيـر أنطونان أرطو: بإمكان شكل ما قبل المسرح أن يكون: «تظاهرة شعبية تؤسس فضاء فيزيقيا يفـرض علينا أن نمـلأه ونؤثثه بكلمـات وحركات بحيث نجعله يعيش من ذاته وبطريقة سحرية»[21].

ويتضـح مـن هـذه التعريفـات أن «ما قبـل المسـرح» مصطلـح يطلـق علـى

مجموعة من الممارسات الثقافية والطقوس التي تتوفر فيها عناصر الفرجة، واللعب والمرح، الخ. هذه الأشكال قد تكون قدسية أو دنيوية، كما أنها تتضمن مجموعة من مكونات الفن المسرحي الذي يشكل المسرح الغربي المرجع في تعريفه. ومن حيث الزمن يمكن لهذه الطقوس نفسها أن تكــون:

- إما سابقة لظهور المسرح كما هو الشأن بالنسبة لطقوس باخوس في الإغريق، ونبات السوما في الهند[22]، وطقس الجنس المقدس الذي كان يتم بين الإله دوموزي [تموز] وإنانا [عشتار] ممثلين في ملك سومر وكاهنة عليا تمثل إنانا[23]، واحتفالات البكارة عند الفينيقيين والإسرائيليين والإغريق[24]، وطقوس العهارة المقدسة التي كان يواكبها ضرب للأجساد بالسكاكين في سوريا القديمة[25]، الخ.، والاحتفال السنوي الذي كان يخلد في فصل الربيع طيلة 15 يوما في الساحة الخضراء بمدينة تونس إلى حدود القرن 17م[26]، وبعض الطقوس الموسمية الشائعة في اليابان التي تعيد حركة «إزاناجي وإزانامي»، وهما زوجُُ إلهي خالق في الكوزموغونيا[27] اليابانية، حيث « يمر "العجوز والعجوزة"، شخصان مقنَّعان تعتبر إيماءاتهما الفاحشة أحد العناصر الواجبة في أغلب الاحتفالات الموسمية القروية، يمران في العديد من الأمكنة لإعادة إنتاج حركة أول زوج في الكون وتدعيمها، وهـي حركـة ضمنـت محاكاتُهــا دائمـا الخصـوبـة والـرخــاء للبشــر والحيـوانـات

والنباتات»[28].

- أو تكون مزامنة لوجود المسرح بمعناه الدقيق، لكنها تمارس بعفوية وخارج أي تقيد بقواعد هذا الفن (انظر تعريف أرطـو).

فكيف يشتغل هذا المصطلح في الكتابين؟

للحديث عن المسرح المغربي لم يجد الباحثان بدا من استدعاء ما يقابل هذه الطقوس في الثقافة المغربية (الحلقة، البساط، سيدي الكتفي، بوجلود، عبيدات الرما، سلطان الطلبة، فرجة بغيلة، الخ.). وفيما وراء التأكيد الصريح الذي يعبران عنه بوضوح، والذي مفاده أن الفن المسرحي فن دخل من الغرب، يسخر المؤلفان هذه الطقوس للحديث عن المسرح المغربي في اتجاهيـن أقل ما يمكن القول عنهما أنهما متعارضين وجدانيا: بمعنى أن المسرح المغربي عندهما هو في آن واحد فن وافد من الغرب، لكنه أيضا فن عريق سبق للمغاربة أن عرفوه قبل تثاقفهم مع الغير. بينما يسود التأكيد الأول أثناء الحديث عن نشأة الفـن المسرحي بالمغرب، يستنتج التأكيد الثاني، خاصة عند حسن المنيعي، من خلال حديثه عما يُسمَّى بالأشكال «ما قبل المسرحية».

2. 1. الأشكال ما قبل المسرحية باعتبارها ليست مسرحا:

إذا كان لا يمكن «الحديث عن البداية الفعلية للمسرح المغربي (إلا) انطلاقا من دخول المسرح الإيطالي إلى سوق الفرجة»[29]، فإن هذا الدخول ما كان ليتم لولا وجود استعداد قبلي لدى المتفرج المغربي لتلقي هذا الفن. وعملية الإعداد هذه مصدرها وجود الممارسات التي خصص لها حسن بحراوي كتابه الذي نحن بصدده، والذي يرمي إلى «بيان مكونات هذه الأشكال الفرجوية ورسم طرائق اشتغالها ثم (تتبع) تطورها أو نكوصها مرفقا كل ذلك بالتساؤل الجوهري، عن علاقتها المفترضة بالفن المسرحي وهل يمكن اعتبارها (...) رافدا من روافده أم هي شكل فني مستقل له هدفه وكيانه الخاص؟»[30].

والجواب الذي يقدمه حسن بحراوي يصب في اعتبار الظواهر المعنية رافدا من روافد المسرح المغربي، بمعنى أنها ظواهر تحمل بذور الفن المسرحي، ظواهر كانت تتطور في اتجاه التحول إلى فـن مسرحي، أي أنها «مسرحيات بدائية لم يكتمل تطورها بعد». وهكذا، فالبساط عنده «من أعتق الأشكال ما قبل المسرحية ببلادنا»[31]، وسيدي الكتفي يتيح الوقوف على وجود تماس شكلي طفيف بينه وبين المأساة اليونانية، يجد تفسيره في أن هذه الأخيرة قد بدأت هي أيضا احتفالا ارتجاليا بسيطا قبل أن ترتقي في شكلها ومحتواها إلى مصاف الروائع الخالدة[32]، وهزليات يهود المغرب التي يعرض لنا الكتاب إحداها (بوريم وبوريمة) هي «مسرحيات بدائية ذات مضامين بسيطة»[33].

وضمن المنظور التطوري نفسه تحضر الظواهـر المعنية في الفصول التمهيدية لكتاب حسن المنيعي الذي نحن بصدده، كما في بحثيه الآخرين المحال إليهما أعلاه، بمعنى أنه يعتبرها أشكالا لامسرحية، ما قبل مسرحية. وهكذا فهي تندرج ضمن ما يسمى بـ «ما قبل المسرح»، أي ضمن: «مسرح لا يرتبط بمفهوم الدراما التقليدية، "وذلك لعدم قيامه بسلطة وهمية وبروزه كفرجة شاملة يشارك فيها الفرد عن طواعية، وذلك بجسمه وروحه دون أن ينسى أنه يشاهد واقعا 'ممثلا' ينعكس عبر الصور والرموز"»[34].

وتتحدد هذه الأشكال عنده في المراسيم الاحتفائية الجماعية، وفنون سرد أو رواية الأساطير والسير، وفنون التهريج واللعب التلقائي (الحلقة)، والاهتمام بالمقدس المتجلي في ممارسة بعض الشعائر (سيدي الكتفي - ظواهر الصرع عند حمادشة وكناوة[35].

2. 2. الأشكال ما قبل المسرحية باعتبارها أشكالا مسرحية:

إلا أننا داخل هذا الإطار العام نجـد تنويعـات علـى مستـوى المصطلـح كمـا

على مستوى تصنيف الظواهر المعنية بشكل يتيح القول إن المؤلفين يقران بمعرفة المغاربة للمسرح قبل أن يدخلوا في سياق المثاقفة مع الغرب والمشرق. وذلك إما بـ:

- جعل دخول المسرح بشكله الغربي إلى المغرب يظل مدينا لوجود هذه الأشكال: وبهذا الصدد يؤكد حسن المنيعي أن بداية المسرح المغربي «ما كانت لتكون لولا وجود جمهور يحمل في أعماقه استعدادا كبيرا لتلقي المسرح»[36].

- طرح احتمال معرفة المغاربة للفن المسرحي منذ عهد الرومـان، فينقل حسن المنيعي حديث أحد الباحثين عن: «المدن المغربية الرومانية وعن الحلبات التي تتوفر عليها باعتبارها فضاءات احتضنت عروضا مسرحية ونماذج فنية من الفلكلور البربري. إضافة إلى (...) بقايا حكايات ونوادر أقاصيص على ألسنة الحيوانات أوردها الكاتب البربري أبوليوس Apuléé وكانت معروفة في العهد الروماني...»[37].

- أو الحديث عما يسمى بالأشكال ما قبل المسرحية باعتبارها «بداية ممكنة للمسرح المغربي»[38]، أو باعتبارها «فرجة مسرحية» (سلطان الطلبة - البساط)[39]، أو بوصفها تشكل بداية ضمنية للمسرح المغربي، وهذه البداية تتمثل في «الأشكال الفرجوية التقليدية التي تنطوي على إرهاصات مسرحية، إما لاهتمامها بالمقدس (الاحتفالات الدينية) أو لاندراجها في ممارسَات اللعب والاحتفال التي تقـوم في الأساس على فنون السرد والحكي والرقص والموسيقى والإنشاد»[40]، أو باعتبارها «نواة لمسرح تقليدي» (رواية الملاحم والسير كسيرة عنترة - سيف بن ذي يزن - السيرة الهلاليـة، الخ.)[41].

- أو تصنيف بعض الظواهر المعنية باعتبارها أشكالا مسرحية قائمـة الذات:

وهكذا يعتبر حسن بحراوي الحلقة «مسرحا للعامة»[42]، ويعتبرها حسن المنيعي «مسرحا للـراوي»، كما يتحدث المنيعي عن الطقوس التي تنظم سنويا في ضريح الهادي بن عيسى بوصفها «مسرحا للندبة أو النواح»[43]، ويضع بعض الطقوس الاحتفالية أو الشعائرية كسيدي الكتفي، ومهرجانات الطوائف (عيساوة، حمادشة، كناوة، الخ.) وحفلات الشموع ضمن خانـة «مسرح البسيكودرام»[44].

2. 2. 3. الخلفية الأنثروبولوجية لمفهوم الـ «ما قبل»:

إلا أننا بالعودة إلى حقل الأنثروبولوجيا نجد هذا المصطلح (مصطلح «الماقبل») كان يشهد استعمالا من لدن اتجاه محدد هو المدرسة التطورية المتأثرة بالداروينية ونظرية تطور الأجناس. وهو تيار ظهر في منتصف القرن التاسع عشر في أمريكا وأوروبا، من أبرز ممثليه مورغان، وتايلور، وفريزر. وقد كان أصحابه يؤكدون على فكرتين أساسيتين، هما: التطور، والتاريـخ.

للتطور عندهم أهمية، بمعنى أن المجتمعات البشرية تنتقل من مراحل دنيا إلى مراحل عليا، وبالتالي فلفهم المؤسسات والظواهر الثقافية الحالية ينبغي الرجوع إلى تاريخها، إلى أشكالها البدائية، بمعنى أن الجنس البشري يتطور تدريجيا، وبالتالي يمكن تصنيف كل المجتمعات الموجودة بحسب مرحلة التطور التي وصلت إليها. كما كان أصحاب هذا الاتجاه يعتبرون المجتمع الغربي حقلا نهائيا للتطور. وهكذا قدموا خطاطات عديدة لتطور الإنسانية، فرأى مورغان أن المجتمعات البشرية تجتاز ثلاث مراحل على التوالي، هي: مرحلة الوحشية، ومرحلة البربرية، ثم مرحلة الحضارة. ورأى تايلور أن الديانات تتطور من مرحلة الإحيائية، إلى شعائر عبادة الطبيعة وتعدد الآلهة، لتصل بعد ذلك إلى عقيدة التوحيد. كما رأى فريزر أن المجتمعات البشرية تتطور من السِّحر إلى الدين، فالعلم، الخ.[45]. ومن هذا المنظور كان يفد على المغـرب كمـا علـى سائـر الشعـوب غيـر الغربيـة، بما فيهـا تلـك التي تنعـت بـ «البدائية»، عددُُ من الإثنوغرافيين الأوروبيين والأمريكيين لجمع الملاحظات الميدانية بغاية تعزيـز هـذا الطـرح.

أما أهمية العنصر التاريخي عندهم فتتمثل في تأكيدهم على أنه لفهم المؤسسات والظواهر الثقافية الحالية ينبغي الرجوع إلى تاريخها، إلى أشكالها البدائية. وبما أن المجتمعات الغربية قد بلغت حدا كبيرا من التطور بشكل يتعذر معه معاينة مجموعة من السلوكات والظواهر، فإنه ينبغي الذهاب إلى المجتمعات التي لازالت توجد في أطوار بدائية من التقدم، ثم ملاحظة الظواهر نفسها المراد بحثها وهي لم تبارح أشكالها البدائية، أو وهي لازالت على شكل «بقايا»[46].

وضمن هذا الإطار تقع معظم المادة الإخبارية التي يعتمدها الأستاذ بحراوي في كتابه الحالي: فالخط المتحكم فيها يمكن اختزاله على النحو التالي: عندما تطورت عبادة الطبيعة، ومجموعة من الممارسات الشعائرية يمتزج فيها العربدة، والمقدس، والاحتفال، الخ. صارت مسرحا. وإذا كانت هذه الطقوس الاحتفالية قد انقرضت في المجتمعات الغربية، فإنه يمكن العثور عليها ومعاينتها من جديد على شكل «بقايا» عند الشعوب التي لازالت في طور متخلف من التطور. وسأكتفي في هذا الصدد بتقديم مثالين:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حـَول مفهُوم الأشكال «ما قبل المسرحية»
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حـَول مفهُوم الأشكال «ما قبل المسرحية»
» حـَول مفهُوم الأشكال «ما قبل المسرحية»
» المسرحية
» فن المسرحية
» المداهب المسرحية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مطلع الاسلام :: منتدى نادي المسرح :: المسرح-
انتقل الى: